طالب محللون ومتداولون هيئةَ سوق المال السعودية بإعادة النظر في نسبة التذبذب المفتوحة لأول يوم، تفاديا للمزيد من تضخم الأسعار، في وقت برز فيه حرص البعض على هذا التضخم وتناميه، ما دفعهم للبدء في بناء تحالفات من أجل الحفاظ على أسعار بعض أسهم التأمين وضمان تحقيقها نسبا متتالية من الارتفاع، وفق ما قاله متداولون لـ"الأسواق نت". وقد ملأ قطاع التأمين في السوق السعودية دنيا المتداولين وشغل أحاديثهم بشكل غير مسبوق، تفاعلا مع تطورين لافتين شهدهما القطاع يوم أمس الإثنين، كان أبرزهما تحقيق سهم الشركة السعودية الفرنسية للتأمين "أليانز إس إف" مكاسب فاقت جميع التوقعات بحوالي 1000% مع أول أيام تداولاته الموافق 23-7-2007، قافزا من سعر الاكتتاب البالغ 10 ريالات إلى 109.75 ريالات (الدولار يساوي 3.75 ريالا).
في حين سبق لهيئة سوق المال الإعلان قبل تداولات أمس بأن الإدارة المختصة لديها "تعمل على التدقيق" في التعاملات التي جرت على سهم شركة التأمين "ساب تكافل"، بعد أن لاحظت الهيئة استمرار ارتفاع السهم رغم تأكيد الشركة عدم وجود أية معلومات جوهرية تبرر هذا الارتفاع، وفق ما جاء في ردها على استفسار سابق بتاريخ 2-7-2007.
الخلطة السرية
وفي هذا السياق نبه المدير التنفيذي لشركة "إي ستوك" والخبير في تعاملات الأسهم عبد الرحمن السماري أن إعلان هيئة السوق بخصوص "ساب تكافل" يحمل مضمونا جديدا وغريبا، ويشير بوضوح إلى أن هناك شكوكا في تصرفات مضاربية تستدعي التدقيق فيها، لاحتمال خرقها أنظمة التداول.
وتابع السماري قائلا "إذا كانت هيئة السوق تستشعر بأن ما يحدث في "ساب تكافل" ظاهرة سلبية، فإن عليها بالمقابل أن تقر بالسبب الحقيقي لهذه الظاهرة والمتمثل في السماح بتداول الشركات ذات رأس المال القليل والأسهم الضئيلة، مشبها المسألة بالصداع الذي تسعى الهيئة لتلافيه والتعافي منه، لكنها تعمل بنفسها على ما يزيده!".
وبخصوص ما تمخض عنه اليوم الأول لتداول "إليانز إس إف"، رأى السماري أن الارتفاع المثير الذي حظي به سهم الشركة لا يخرج عن الإطار العام لما يحدث في قطاع التأمين، حيث يشكل إدراج أي شركة تقل أسهمها عن 5 ملايين سهم العنصر الأهم في "الخلطة السرية" لتشجيع النشاط المضاربي وتكريسه.
الشراء حق
وألمح السماري إلى أن ارتفاع "إليانز إس إف" قد يكون على خلفية محاولات جادة للسيطرة على أكبر قدر ممكن من الأسهم المتاحة للتداول، رافضا الخوض في التفاصيل أو توقع المسار الذي سيسلكه السهم لاحقا، ومؤكدا أن مراقبة الصفقات والتحقق من نظاميتها هو من صلب مهام هيئة السوق وحدها.
وذكر الخبير السماري بأن لا أحد يستطيع منع عمليات الشراء أيا يكن حجمها ما دامت تجري في إطار قانوني، بعيدا عن التلاعب والتدليس ووضع الأوامر الوهمية، مشيرا إلى أن الهدف الاستثماري قد يكون وراء جزء من الطلبات الكثيفة على سهم الشركة والتي لم تقابلها سوى عروض ضعيفة جدا، إلا أن حصة الأسد تبقى من نصيب النشاط المضاربي البحت، الساعي إلى أرباح خاطفة.
وحول ما إذا كانت هيئة السوق تحتاج لإعادة النظر في سقف نسبة التذبذب المفتوح وتخفيضها لأقل من 1000%، عبر السماري عن اعتقاده بوجود العديد من القضايا التي تستحق الدراسة بعناية، ومنها سقف التذبذب لأول يوم، مع ضرورة التوقف التام عن طرح أي اكتتاب جديد حتى نهاية العام الحالي، وتنشيط عمل الهيئة في مختلف الاتجاهات لا سيما مكافحة تسريب المعلومات الحيوية، سواء من داخل الشركات أو حتى هيئة السوق نفسها.
مفارقات
وبدوره لفت المحلل محمد الرعوجي النظر إلى أن قطاع التأمين أخذ أكبر من حجمه بكثير، في ظل سيطرة معظم شركاته على قوائم الشركات الأنشط طيلة الأسابيع الأخيرة، رغم أن أغلبية شركات التأمين المدرجة لم تزل حبرا على ورق، أي أنها لم تبدأ بممارسة أي نشاط فعلي.
واكتفى الرعوجي بمثال من تداولات أمس الإثنين موضحا أن قائمة الشركات الست الأنشط في السوق، ضمت 5 شركات تأمينية من حيث الارتفاع، و4 من حيث القيمة، و3 من حيث الكمية المتداولة، رغم أن عدد شركات القطاع لا يتجاوز 9 شركات من أصل 99 مدرجة، فضلا عن حجمها المتواضع مجتمعة.
ولم يخف الرعوجي استغرابه من السعر الذي وصل إليه سهم "إليانز إس إف" مع أول أيام تداوله، مع أنه لا شيء على الإطلاق يمكن أن يبرر هذا الارتفاع لا من ناحية نشاط الشركة ولا وزنها ولا مستقبلها، على حد قوله.
وقياسا إلى ما حققه السهم من أرباح مرتفعة، توقع الرعوجي أن تسرق "إليانز إس إف" الأضواء من "ساب تكافل" وأخواتها، وأن يتحول انتقاد "ساب تكافل" جراء ارتفاعها قرابة 1700% منذ بداية تداولها إلى إطراء لها مقارنة بما ينتظر "إليانز" إن هي واصلت تسجيل النسب القصوى، لا سيما أنها حققت ما لم تحققه أي شركة تأمين عقب افتتاحها بحوالي ساعة واحدة فقط.
وطالب الرعوجي هيئة سوق المال بالتعامل مع الشركات المدرجة حسب أوزانها، إذ ليس من العدل إعطاء الشركات الصغيرة والكبيرة نفس نسبة التذبذب القصوى، مؤكدا أن معاملة جميع الشركات على نفس السوية هو الذي وضعنا أمام "مفارقات لا نحسد عليها"، حيث يقف سعر سهم أضخم شركات السوق عند حاجز 126 ريالا، بينما يصل سعر سهم شركة جديدة وصغيرة إلى 110 ريالات في جلسة تداول واحدة.
الربح غيّر نظرتهم
من ناحيتهم كشف متداولون سعوديون عن وجهات نظر متفاوتة وأحيانا متناقضة إزاء ما يحدث في قطاع التأمين، لا سيما فيما يتعلق برؤيتهم لارتفاع سهم "إليانز".
ففي الوقت الذي مالت فئة من المتداولين لانتقاد الارتفاع المثير في سعر السهم ووصفه بـ"الجنوني" مطالبة بضبط نسبة التذبذب المفتوحة وتخفيض سقفها، عبرت فئة أخرى عن رضاها بهذا الارتفاع وسرورها به، متهمة المتحفظين على ارتفاع أسهم التأمين بأنهم "حاسدون لا يحبون الخير لأنفسهم ويسعون لزوال النعمة عن الآخرين".
وقال المتداول أحمد الصالحي: يبدو أن منطق الربح السريع وتعويض الخسائر غير من نظرة بعض المتداولين إلى قطاع التأمين، خصوصا من ناحية الرؤية الشرعية التي تتنازعها أقوال مختلفة، بين من يبيح الاستثمار والمضاربة في شركات القطاع ومن يحرمهما مطلقا.
وبيّن الصالحي أن ارتفاع سهم "إليانز" بنسبة 1000% دفع بعض المتداولين للمباشرة في بناء تحالفات مصغرة من أجل الحفاظ على تماسك سعر السهم قدر المستطاع، وضمان صعوده إلى مستويات أعلى خلال أقصر فترة ممكنة، سعيا لتعويض خسائرهم أو ما فاتهم من أرباح في أسهم شركات أخرى.
ندرة ووفرة
فيما أكد المستثمر خالد الحربي صحة كلام الصالحي موضحا أن مجموعات المضاربين بدأت تحسب أرباحها من سهم "إليانز" للأيام المقبلة، على أساس ارتفاعه بالنسبة القصوى، حتى إن بعضهم لم يتحرج من الدخول في نطاق 500 و600 ريال كسعر مستهدف، وكأن الأمر في يده تماما.
وأشار الحربي إلى أن بعض المتداولين لا يثق بهذه التوقعات ويشفق على المنساقين معها، لكنه لا يعبر عن رأيه علنا خشية أن يوصم بأنه حسود، أو مرجف يحاول إبعاد الناس عن هذه الشركات ليحل محلهم.
أما المتداول ضيف الله محمد فرأى أن ندرة فرص الربح المعقول والتعويض المقبول في مختلف القطاعات ووفرتها في قطاع التأمين، جعل من البديهي أن يتدافع كثير من المتداولين على شراء أسهم التأمين، غاضين النظر عن كل التحذيرات من انفجار فقاعة الأسعار، وتكرار تجربة "الخشاش القديم"، والأغرب من ذلك أن نشاط قطاع التأمين مضاربيا صار مدعاة لشكر الهيئة من قبل أناس كانوا مبالغين في انتقادهم لها على طول الخط.
علاوات إصدار لاحقة
وبالمقابل، ذكر مراقب التداولات عبد الله العامر بأن ارتفاع "إليانز" بنسبة 1000%، ليس حدثا استثنائيا كما يتخيل البعض، فقد سبق لمثل هذا الأمر أن تكرر وبنسب أعلى بكثير، ومن ذلك ما شهده سهم بنك البلاد في أول أيام إدراجه منتصف يناير 2005 حين ارتفع حوالي 1900%، ومثله سهم "ينساب" الذي أدرج في فبراير 2006، مرتفعا بما يقارب 1400% مع أول أيام تداوله، ما يدل على أن السقف كان أعلى من 1000%.
وقال العامر إنه لا يعلم بالضبط إن كان الاختلاف عائدا لوجود أكثر من نسبة تذبذب مفتوحة في عرف الهيئة، بحيث تكون إحداها مفتوحة بلا سقف، والأخرى مفتوحة بسقف محدد، أو أن التفاوت راجع لتعديل على نسبة التذبذب المفتوحة لم يجر نشره.
وأيا يكن السبب فإن نسبة التذبذب تبقى عالية وبحاجة للتخفيض، بحسب العامر الذي أضاف أن القفزات التي شهدتها أسهم التأمين في أيام إدراجها الأولى هي بمثابة علاوات إصدار غير مستحقة وإن جاءت بعد التداول، يتوجب علينا أن نطالب بالتحقيق فيها، أسوة بعلاوات الإصدار المبالغ فيها والتي كان المكتتبون يدفعونها أثناء اكتتابهم مباشرة.
وختم العامر حديثه بالتأكيد على أن قطاع التأمين في السعودية موعود بمستقبل مشرق، حيث من المتوقع أن تشمل نشاطات القطاع مختلف جوانب الحياة، إلا أن ذلك لا يبرر بحال من الأحوال هذه القفزات السعرية، فلو كان المستقبل الواعد مبررا كافيا لكان هناك من هو أحق من شركات التأمين بمواصلة الارتفاع.
