قال تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنّ اللّهَ أنَزَلَ مِنَ السماء ماء فَأَخْرَجْنَا به ثَمَرَاتٍ مّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ.وَمِنَ النّاسِ والدواب وَالأنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنّمَا يَخْشَى اللّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ " ( فاطر27-28).
· موضوع الآيتين وسورتهما:
هاتان الآيتان الكريمتان في سورة فاطر, وهى سور موضوعهاالأساسي هو بيان آيات الرد على تكذيب الرسول " صلى الله عليه وسلم" .."وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كُذّبَتْ رُسُلٌ مّن قَبْلِكَ", "وَإِن يُكَذّبُوكَ فَقَدْ كَذّبَ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ" . وكانت طريقة هذه السورة في بيان أن ما جاء به النبي" صلى الله عليه وسلم" من الوحي هو الحق( " إِنّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقّ".. "وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقّ " ) هي طريقة الآيات الكونية , فاستعرضت السورة آيات إرسال الريح والسحب, وأطوار خلق الإنسان, وأنواع البحار وما فيها من منافع للناس من مأكل وحليوفلك تمخر عبابها, ثم ينتقل إلى السماء وتسخير أجرامها وما يحدثه ذلك من تعاقب لليل والنهار مما يعود على الإنسان بالنفع العظيم. ثم كان التركيز على مسألة اختلاف الألوان في النبات والجبال والكائنات الحية وأكدت السورة أن هذه الفقرة تحديداًفيها من البينات ما لن يدركه إلا العلماء الذين ستتحقق لهم بذلك خشية الله, إن كانوا من العلماء الربانيين الذين يتلون كتاب الله ويقيمون الصلاة ويأتون الزكاة ويخشون ربهم بالغيب.
فالعلماء ثلاثة, كما قال سفيان الثوري, عالم بالله عالم بأمر الله (عنده العلم والخشية ), وعالم بالله ليس بعالم بأمر الله ( الذي يخشى ولا يعلم ), وعالم بأمر الله ليس بعالم بالله ( الذي يعلم ولا يخشى ).
· رأى المفسرين:-
المفسرون القدماء لم يختلفوا في أن المقصد الرئيسي من تلك الفقرة هو بيان اختلاف الألوان مثل قوله تعالى :"صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىَ بماء وَاحِدٍ"ولكن اختلفوا في كلمتي جدد و غرابيب, فابن كثير ذكر أن ابن عباس قال : " الجدد هي الطرائق " أي الطرق, جمع جدة. بينما نقل الشوكانى في تفسيره عن الفراء أن الجدد تكون في الجبال كالعروق وهذا قريب مما نقله القرطبي في تفسيره عن الجوهري : " والجدة الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه " وهو ما ذهب إليه البيضاوي. كما ذكر القرطبي أن الجدد هي القطع. وذكر كذلك أنها قد تكون طرائق تخالف لون الجبل. أما كلمة "غرابيب سود " فذكروا أن غرابيب جمع غربيب وهو شديد السواد. ولكن القرآن لا يكرر ألفاظا, هل يقول القرآن: شديد السواد أسود ؟ إن قيل للتوكيد فتوكيد الألوان لا يتقدم عليها, بل يقال عندئذ ( سود غرابيب ).