رياضة الأذهان
هي الاشتغال بالعلوم النافعة , وكثرة التفكر فيها , والابتداء فيما يسهل على العبد منها , ثم يتدرج به إلى ما فوقه , وتعويد الذهن السكون إلى صحيح العلوم وصادقها , وذوده عن فاسدها وكاذبها , وما لا نفع فيه منها , فان من تعود السكون إلى الصدق والصحيح , والنفور من ضده , فقد سلك بفكره وذهنه المسلك النافع , وليداوم على كثرة التفكر والنظر , كما حث الله على ذلك في كتابه في عده آيات .
وانفع ما ينبغي تمرين الذهن عليه , كلام الله , وكلام رسوله , فان فيهما الشفاء والهدى , مجملا ومفصلا , وفيهما أعلى العلوم , وانفعها , وأصلحها للقلوب , والدين , والدنيا والآخرة .
فكثرة تدبر كتاب الله وسنة رسوله , أفضل الأمور على الإطلاق , ويحصل فيها من تفتيح الأذهان , وتوسع الأفكار , والمعارف الصحيحة , والعقول الرجيحة , ما لا يمكن الوصول بدون ذلك , وكذلك التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه , من السماوات , والأرض , وما أودع فيهما من المخلوقات والمنافع , ليستدل بها على التوحيد , والمعاد والنبوة , وبراهين ذلك , وليستخرج منها ما فيها من المنافع النافعة للناس في أمور دينهم ودنياهم , فمن عود نفسه ودربها على كثرة التفكر في هذه الأمور , وما يتبعها , فلا بد أن ترقى أفكاره , وتتسع دائرة عقلة وينشحذ ذهنه ومن ترك التفكر , جمدت قريحته , وكل ذهنه , واستولت عليه الأفكار التي لا تسمن ولا تغني من جوع , بل ضررها أكثر من نفعها .
ومن الأفكار النافعة التفكر في نعم الله , الخاصة بالعبد والعامة , فبذلك يعرف العبد إن النعم كلها من الله , وانه لا يأتي بالخير والحسنات إلا الله , وانه لا يدفع الشر والسيئات إلا هو , وبذلك تستجلب محبة الله , وبه يوازن العبد بين النعم والمحن , وان المحن لا نسبة لها إلى النعم بوجه من الوجوه , بل إنها تكون في حق المؤمن القائم بوظيفته , الصبر نعمة من الله , فكل ما يتقلب فيه المؤمن , فهو خير له , لأنه يسعى بإيمانه , ويكتسب به في جميع تنقلاته , وهذه أفضل حلي الأيمان , وثمراته البهيجة , وكذلك من انفع الأفكار الفكر في عيوب الناس وعيوب الأعمال , والتوصل إلى الوقوف عليها , ثم السعي في طريق إزالتها , فبذلك تزكو الأعمال , وتكتمل الأحوال , وبالله التوفيق